شهاب الدين المرجاني: باحث، فيلسوف، مؤرخ، عالم إثنوغرافيا، عالم آثار، باحث في الشرقيات، مدرس، داعية.
ولد في 16 يناير 1818 في أسرة مدرس قرية إيبانتشينو، منطقة قازان، مقاطعة قازان. تلقى تعليمه الابتدائي في المنزل، ثم ذهب للدراسة في مدرسة قرية تاشكيتشو، ثم بقي للتدريس فيها حتى عام 1835. درس من عام 1838 إلى عام 1849 في مدرستي كوكلتاش ومير عرب في بخارى ومدرسة شيردار في سمرقند. وفي الوقت نفسه، تلقى دروسا من علماء مرموقين ودرس النسخ المحفوظة في المكتبات من مؤلفات العلماء البارزين في مجالات العلوم والآداب العربية الإسلامية مثل ابن سينا وابن العربي وابن رشد والسيوطي وأبو حامد الغزالي والشهرستاني وابن خلدون وغيرهم. كتب العديد من الرسائل، من ضمنها: تعليق على مقدمة الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية للكاتبي، ورسالته: الطريقة المثلى والعقيدة الحسنى في المنطق وأصول الفقه التي ألفها عام 1890، وكتابه النقدي عن طرق تدريس العلوم الطبيعية في بخارى: إعلام أبناء الدهر بأحوال أهل ما وراء النهر، لكن المخطوطة الأخيرة فقدت.
شارك المرجاني كذلك في جمع وفهرسة المخطوطات والوثائق التاريخية الأخرى، والتي أدرج بعضها لاحقا ضمن أعماله. من المرجح أن المرجاني تأثر بآراء معلمه في سمرقند القاضي أبو سعيد وتولدت لديه أفكار الإصلاحية الدينية. تعرف المرجاني في بخارى على الحركة الصوفية في الإسلام، وتعلم على أيدي ثلاثة شيوخ من الطريقة النقشبندية، وهم ابن نيازكولي، وعبد الفاروقي الهندي، وابن أحمد الهندي، وحصل على الإجازة ليصبح معلما دينيا. تم تعيينه إماما خطيبا ومدرسا في مسجد قازان الأول بعد عودته إلى وطنه في عام 1850 (مع وجود فترات انقطاع في عامي 1854 و1874 بسبب خلافات مع مفتي الجمعية الدينية المحمدية في أورينبورغ س. تفكلف والتاجر المتبرع التتري إ. يونسوف). أشرف المرجاني في الوقت نفسه على اكتمال ودقة نصوص طبعات القرآن الكريم القازانية منذ عام 1860. ونشر نتيجة لذلك كتابه: الفوائد المهمة عام 1878، والذي كان مخصصا لتاريخ نشر القرآن الكريم في روسيا.
تم ترشيح المرجاني لمنصب مفتي ورئيس الإدارة الدينية للمسلمين في عام 1862، لكن المدعي العام للمجمع المقدس ك.ب. بوبدونوستف رفض تعيينه. شغل المرجاني منصب آخوند ومحتسب قازان في عامي 1867-1868. وكان أول عضو من القيادات الدينية الإسلامية يقوم بتدريس العقيدة الإسلامية في مدرسة المعلمين التترية القازانية في أعوام 1876 و1884. انتخب المرجاني عضوا في جمعية الآثار والتاريخ والإثنوغرافيا في جامعة قازان في عام 1876. وكان أول عالم تتري يقدم تقريرا عن تاريخ بلغار وقازان في المؤتمر الأثري الرابع المنعقد عام 1877، وقد نشر هذا التقرير لاحقا تحت عنوان: غلالة الزمان في تاريخ بلغار وقازان. نفذ المرجاني عدة رحلات إلى موسكو ومكة في عام 1880. وتوقف خلال رحلاته في كييف وأوديسا وإسطنبول والقاهرة ومدن أخرى، حيث التقى بعلماء وسياسيين إسلاميين بارزين.
قدم المرجاني دروسا في مدرسته بالاستناد إلى مفاهيمه ومبادئه التربوية الخاصة، وكان أحد الأهداف الرئيسية للتدريس فيها هو تطوير قدرة طلابه على التفكير المستقل. كما دعى إلى إدراج تعليم اللغة الروسية ودراسة العلوم الطبيعية في مناهج الكتاتيب. وكان جيل كامل من الجديديين من أواخر القرن 19 إلى أوئل القرن 20 يعتبر المرجاني معلما عظيما. عمل المرجاني على تكييف الإسلام مع العالم المتغير وتطوير الهوية الوطنية للشعب التتري في كتاباته الدينية ومساعيه التعليمية. أصدر المرجاني فتوى تسمح للتتار بتزويج بناتهم للشيعة الإيرانيين، فقد أكد على أن الشيعة كانوا أيضا مسلمين، بخلاف مسلمي قازان الذين لم يعترفوا بالشيعة كمسلمين. وقال إن بعض الأحكام الفقهية تحتاج إلى إعادة نظر.
نشر المرجاني في عام 1870 رسالته المثيرة للجدل: ناظورة الحق في فرضية العشاء وإن لم يغب الشفق، والتي أحدثت صدى كبيرا وجعلت المؤلف مشهورا في الشرق الإسلامي. ترك المرجاني بصمة عميقة في العلوم التاريخية. كرس أحد أعماله الأولى (عام 1864) لتاريخ الشعوب الأتراكية في آسيا الوسطى بين القرنين 10 و12 وهو بعنوان: غرفة الحواقين لمعرفة الخواقين. كما ألف كتابا من 6 مجلدات عن سير وتراجم الشخصيات الإسلامية البارزة بعنوان: وفية الأسلاف وتحية الأخلاف، والذي كتب له: مقدمة وفية الأسلاف وتحية الأخلاف، المتضمنة سيرة النبي وبداية التاريخ الإسلامي ولمحة عامة عن العلوم الإسلامية. سلط المرجاني في المجلد الثاني من هذا العمل الضوء على تاريخ دخول الإسلام إلى منطقة الفولغا وكذلك مساهمات المسلمين البارزين من تلك المنطقة في الثقافة الإسلامية. وكشف المؤلف عن تاريخ مسلمي منطقة الفولغا كجزء من الدولة الروسية في المجلد السادس المخصص للفترة من النصف الثاني من القرن 17 إلى الربع الثالث من القرن 19. وأولى هذا الكتاب اهتماما خاصا للمثقفين المسلمين لأنهم لعبوا دورا حاسما في تشكيل التصور الديني عند التتار. من ضمن مؤلفات المرجاني: مستفاد الأخبار في أحوال قازان وبلغار، وهو كتاب يشتمل على معلومات تاريخية عن العديد من السلالات وتراجم الكثير من الشخصيات، وهي معلومات مستمدة من مصادر عربية وفارسية وتركية، ويشتمل على بيانات عن المنقوشات والمسكوكات، وتقارير شفهية، وحكايات شعبية. يمثل هذا الكتاب أول محاولة لكتابة عمل يؤرخ للشعب التتري.
توفي المرجاني في 18 أبريل 1889، ودفن في مقبرة المستوطنة التترية الجديدة في قازان.